لا عودة لسوريا للوراء – لمحات من بلد مزقته الحرب

حرب في سوريا لسنوات مشتعلة، بات العالم يفقد اهتمامه بمجرياتها بصورة متزايدة. لكن “لا عودة إلى الوراء”، كتاب من تأليف رانيا أبو زيد تعبر فيه عن الشعب السوري. داغمار فولف في قراءة لهذا الكتاب.

تكتب الصحفية المقيمة في بيروت، رانيا أبو زيد أنَّ سوريا لم تعد موجودة كدولة موحَّدة إلَّا في الذكريات وفي كتب التاريخ. فقد حلت محلها أكثر من سوريا واحدة. في كتابها “لا عودة إلى الوراء”، تعطي مختلف الناس فرصةً للتعبير، وتحاول على هذا النحو سبر أعماق المأساة السورية.

إنَّ ما بدأ باحتجاجات سلمية في عام 2011 وببعض كتابات الشباب على الجدران، أفضى على مرّ هذه الحرب المتصاعدة بشكل متزايد إلى تفكُّك أُمَّة برمّتها، مثلما توضح الكاتبة. لقد توقَّفت الأمم المتَّحدة في عام 2013 عن إحصاء عدد ضحايا الحرب السورية بسبب صعوبة الحصول على معلومات. وبحسب التقديرات فإنَّ عدد الضحايا بلغ حتى الآن أكثر من نصف مليون. بالإضافة إلى أنَّ نصف أهالي سوريا البالغ عددهم ثلاثة وعشرين مليون نسمة باتوا نازحين ولاجئين.

الغرب يغضّ النظر

تشتعل في سوريا منذ نحو ثمانية أعوام حرب مريرة. ولكن يبدو أن العالم بات يفقد وعلى نحو متزايد اهتمامه بما يجري هناك. ألفت الصحفية رانيا أبو زيد كتابا مؤثرا بعنوان “لا عودة إلى الوراء”، عبَّرت فيه عن الشعب السوري. وتمكَّنت رانيا أبو زيد في تقريرها المؤثِّر هذا من إعادة مصير الناس في سوريا إلى بؤرة اهتمام الرأي العام. وذلك لأنَّ مَنْ يقرأ كتابها “لا عودة إلى الوراء” يرى بعيون أخرى الأخبار القادمة من هذا البلد الذي مزَّقته الحرب – يرى الناس وراء هذه الأخبار.

{الخاسرون في الحرب السورية هم الأهالي، بصرف النظر عن الطرف الذي يقفون إلى جانبه في هذا الصراع.}

تأسف رانيا أبو زيد لأنَّ الغرب قد فَقَدَ الاهتمام بواحدة من أكبر الكوارث الإنسانية والجيوسياسية في عصرنا. وتقول إنَّ صور الحرب مخيفة للغاية، وإنَّ الوضع مضطرب جدًا والنهاية غير متوقَّعة.

ونتيجة لذلك لم تعد العواقب منذ فترة طويلة ملموسة فقط في الدول المجاورة، بل حتى في الاتِّحاد الأوروبي – وذلك من خلال وصول ملايين اللاجئين السوريين.

سافرت رانيا أبو زيد خلال أكثر من خمسة أعوام مرارًا وتكرارًا إلى سوريا، إلى الخطوط الأمامية وإلى تركيا ولبنان وكذلك إلى واشنطن والعديد من المدن الأوروبية لكي تتقصَّى في العديد من المحادثات مع أشخاص في سوريا وفي دول اللجوء كيف وصلت الأوضاع في سوريا إلى هذه الحالة التي يبدو ألاَّ مخرج منها.

لا تمثِّل نتيجة تحرِّياتها تقريرًا آخر من بين تقارير التغطية الصحفية الرزينة المُعدة من الخارج، بل جاءت كتقرير مؤثِّر من داخل سوريا.

نجد في هذا الكتاب قصة سليمان، الذي كان عند بداية الحرب رجل أعمال ثريًا له علاقات عائلية مع نظام الرئيس بشار الأسد. لم يكن لديه أي سبب للاحتجاج، فقد كان يعرف قواعد اللعبة. ولكنْ أسَرَتْ خياله شجاعةُ المتظاهرين والأملُ في وجود سلام سياسي.

وهكذا بدأ سليمان في تصوير الاحتجاجات ورفعها على الإنترنت. ولذلك وقع في مرمى قوَّات الأمن التابعة لنظام الأسد ولم يكن له أي مفرّ من تحمُّل الاستشهاد في سجون التعذيب السورية.

حياة الناس انقلبت رأسًا على عقب

ما من شكّ في أنَّ محمدًا هو الشخصية الرئيسية في هذا الكتاب. لقد كان محمد هذا حتى قبل اندلاع الثورة معاديًا للنظام ومتعاطفًا مع الإسلام الراديكالي.

قضى محمد سنوات عديدة في سجون التعذيب المشهورة بسوء سمعتها في سوريا، التي اجتاز فيها مدرسة التطرُّف. ورانيا أبو زيد لا تُريح القارئ من وصف الأعمال الوحشية في السجون ولا من الأساليب الوحشية التي يستخدمها محمد في وقت لاحق ضدَّ أعدائه كقائد في جبهة النصرة.

تحتوي جميع القصص على شيء مشترك، أي: اللحظة الرئيسية التي انقلبت فيها حياة كلّ شخص – سواء رجل أو امرأة – رأسًا على عقب وتم فيها جرُّه إلى داخل الحرب.

وعلى العكس من مراسلي الحرب الآخرين، فإنَّ رانيا أبو زيد لا تتحدَّث عما تراه وتعيشه، بل هي تدع الناس يحكون قصصهم.

وقصصهم هذه تكمِّل بعضها مثل قطع الأحجية لتُشكِّل القصة الكبيرة الكاملة: مأساة الحرب السورية. يُظهر تقريرها هذا أنَّ هذه الحرب لا يمكن أن يكون فيها رابحون؛ والخاسرون هم الأهالي، بصرف النظر عن الطرف الذي يقفون إلى جانبه في هذا الصراع.

{عواقب الحرب السورية ملموسة في الدول المجاورة، بل وحتى في الاتِّحاد الأوروبي – وذلك من خلال وصول ملايين اللاجئين السوريين.}

التركيز على المصائر البشرية

ولكن هذا التقرير يُظهر أيضًا كيف تم الاستيلاء بشكل تدريجي على حركة الاحتجاجات السلمية في الأصل من قِبَل مختلف القوى والمصالح. لم تعد الأطرف الفاعلة في داخل سوريا تسيطر على الأوضاع منذ فترة بعيدة.

تمكَّنت المؤلفة في تقريرها المؤثِّر هذا من إعادة مصير الناس في سوريا إلى بؤرة اهتمام الرأي العام. وذلك لأنَّ مَنْ يقرأ كتابها “لا عودة إلى الوراء” يرى بعيون أخرى الأخبار القادمة من هذا البلد الذي مزَّقته الحرب – يرى الناس وراء هذه الأخبار.

ونظرًا إلى المعلومات المثيرة للقلق حول أوضاع حقوق الإنسان المُدَمَّرة في سوريا، فلا بدَّ من طرح السؤال عما إذا كان من الممكن أن تكون هناك فرصة للسلام في سوريا المُوَحَّدة. أوضحت وزارة الخارجية الألمانية في تقرير أصدرته حديثًا حول الأوضاع في سوريا أنَّ قوَّات الشرطة وأجهزة الأمن والاستخبارات تستخدم وبشكل ممنهج ممارسات تعذيب خاصةً ضدَّ المعارضين والمعارضين المفترضين. وأضافت أنَّ النظام لا يتورَّع أيضًا عن تعذيب النساء وحتى عن تعذيب الأطفال.

شارك المقال إن أعجبك؟

اترك تعليقاً

مقالات مشابهة