التراحم والتعاطف بين الناس يعد قيمة أخلاقية في المجتمع، وسمة حضارية وإنسانية؛ لها أثرها البالغ في الحياة الاجتماعية، ودورها الكبير في إشاعة روح التضامن والتكافل والترابط بين الناس، كما أنها سبب لنزول رحمات الله .
والتراحم بين الخلق يعني نشر الرحمة بينهم، يعني التآزر والتعاطف والتعاون، يعني بذل الخير والمعروف والإحسان لمن هو في حاجة إليه.
في صحيح مسلم عَنْ سَلْمَانَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:” إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِائَةَ رَحْمَةٍ كُلُّ رَحْمَةٍ طِبَاقَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ فَجَعَلَ مِنْهَا فِى الأَرْضِ رَحْمَةً فَبِهَا تَعْطِفُ الْوَالِدَةُ عَلَى وَلَدِهَا وَالْوَحْشُ وَالطَّيْرُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَكْمَلَهَا بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ”.
وفي صحيح مسلم أيضا عن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: ” جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ وَأَنْزَلَ فِى الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ تَتَرَاحَمُ الْخَلاَئِقُ حَتَّى تَرْفَعَ الدَّابَّةُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ”.
حول هذا المعنى الجميل والخلق الكريم في العلاقات بين الناس يدور كتاب” التَّراحُم بين النَّاس في السُّنَّة النبوية،لمؤلفه د. عبد اللطيف الجيلاني.
ويقول المؤلف : إن هذا الخلق هو من أهم أسباب ترابط المجتمع الذي يشبه البنيان في تماسكه وتلاحمه، ففي الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا” وزاد البخاري: ثم شبك بين أصابعه..”.
وجاء في الكتاب: في صحيح مسلم:”مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”، ففي الحديث تنبيه إلى أن التراحم بين المؤمنين من أهم مظاهر الوحدة ووصول الأمة إلى تحقيق مفهوم الجسد الواحد، مع التوادد والتعاطف.
ويركز الكتاب على خلق الرحمة والتراحم باعتباره من أعظم الأخلاق المحمدية، والشمائل المصطفوية، قال تعالى:( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم)، فهو نبي الرحمة، ومن يتتبع سيرته العطرة يجده صلى الله عليه وسلم رقيقا رحيما في تعامله مع الناس، ولا غرو في ذلك؛ فأعظم مقاصد بعثته صلى الله عليه وسلم رحمة العباد ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
التعايش بالرحمة
دعا الدكتور عمرو خالد الداعية الإسلامي إلى التعايش بالرحمة بين الناس خلقًا ومعاملة، تجسيدًا للهدف الأسمى من رسالة الإسلام إلى العالمين، قائلاً: “إننا مسئولون عن تحريك الرحمة، لأن أمة محمد ليس دورها تأجيج الصراع، لكن دورها إخماد الصراع بالرحمة”.
وأضاف خالد، في الحلقة الرابعة عشر من برنامجه الرمضاني “طريق للحياة” على قناة “إم بي سي مصر”، أن الرحمة هي العنوان العريض في القرآن، وأن كل المعاني والقيم وسعتها رحمة الله، في رسالة لكل المتشددين، الصراعيين، القاسيين، أن ما تفعلونه ليس الإسلام مهما كنتم متدينين.
واعتبر أن الأكثر استحقاقًا للرحمة هم الأهل والأقارب (صلة الرحم)، إلى جانب التعامل برحمة مع كل الناس: الفقراء والمحتاجين، الخدم، المساكين.واسترعى انتباه “خالد” أن آخر رسالتين إلى الأرض: المسيحية عنوانها الحب، والإسلام عنوانه الرحمة، وكأن الله أراد أن تكون آخر رسالتين من السماء للأرض هما: الحب والرحمة.
وقال الداعية الإسلامى، إن الرحمة أوسع من الحب، فهي تكون لمن تحب ولمن لا تحب، مدللاَ بما فعله عمر بن الخطاب، عندما رأى يهوديًا عجوزًا يتسول في المدينة سأله عن الذي أوصله إلى هذا الحال؟ فقال العجوز: أدفع الجزية.. فبكى عمر وأمر بالعطاء للعجائز والفقراء من بيت المال، رحمة للعالمين وليس للمسلمين فقط.
وقسم خالد الرحمة إلى نوعين: رحمة ساكنة ورحمة متحركة.. ومن النوع الأول: الشمس والقمر والمطر، فهي رحمات لكنها ساكنة صامتة لا تنطق لا تتكلم لا تعبر.. أما الرحمة الوحيدة المتحركة فهي الإنسان.
ودعا خالد إلى تدريب النفس على الرحمة، حتى تكون رحيمًا، وأن تتولى أمر إنسان ضعيف أو يتيم ماديًا أو معنويًا.. فعن أبي هريرة قال، أن رجلاً جاءه يشكو قسوة قلبه فقال لـه: “أتحب أن يلين قلبك، وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك. يلن قلبك، وتدرك حاجتك”.