المقدمة :
تتكون المنظمات من أفراد تجمعهم أهداف عامة أهداف المنظمة” وأهداف خاصة “أهداف شخصية” حيث يأتي هؤلاء الأفراد من عدة بيئات بخلفيات ثقافية واجتماعية واقتصادية مختلفة، ويشكلون بذلك ما يعرف بالثقافة التنظيمية. (العسكر،1994، ص 23).
إن الثقافة التنظيمية تعبر عن مجموعة مشتركة من المعتقدات والقيم والمدركات التي تشكل انطباعات، وترسخ اتجاهات، ويترتب عليها سلوكيات تشكل القواعد الأساسية لأداء العاملين في المنظمات وفق أسس الفاعلية والكفاءة، كعناصر تدعم الأداء الجيد إذا كانت الثقافة التنظيمية السائدة تشجع على ذلك، فقد اكتسب مصطلح الثقافة التنظيمية أهميته كعامل مؤثر في توجهات المنظمات وتطور أو تخلف مستوى أدائها.
كما أن دور الثقافة التنظيمية لا يقتصر على تحسين الأنماط السلوكية في المنظمة، من خلال توقع الأحداث وفهم مواقف الأفراد ومساعدة المنظمة في التغلب على التحديات الداخلية والخارجية، وإيجاد البيئة التنظيمية والمناخ التنظيمي الملائم للعمل والإنجاز والإبداع والابتكار والتطوير والاستفادة من مميزات العمل الجماعي خلال فرق العمل المدارة ذاتية.
بل يمتد ليشمل الاستفادة من التغذية الراجعة التي تفيد أعضاء الفريق والفريق نفسه، وتساعدهم على تصحيح الأخطاء والانحرافات، ومن ثم الاحتفاظ بمستوى أداء فاعل يعالج الانحرافات أولا بأول والتعرف على سبل تطوير وتحسين الأداء. (توفيق، 2002، ص280279)
أولا: مفهوم الثقافة التنظيمية :
تلعب الثقافة التنظيمية دورة رئيسة على جميع المستويات والأنشطة داخل التنظيم الإداري، حيث تساهم في خلق المناخ التنظيمي الملائم، الذي يعمل على تحسين وتطوير الأداء بشكل ملائم وفعال، مما يساعد على تحقيق الأهداف الفردية والجماعية والتنظيمية.
وقد قام العديد من الكتاب بوضع تعريفات متنوعة لمفهوم الثقافة، ويذكر همشري (2001، ص 151) أن العالم الشهير (تايلور) قدم تعريف للثقافة بأنها ذلك الكل المعقد الذي يشمل المعرفة والعقيدة والفن والأخلاق والقانون والعادة وأية قدرات يكتسبها الإنسان كعضو في المجتمع”.
وقد تم تعريف الثقافة بشكل عام على أنها “طرق أو أنماط الحياة يتم بناؤها وتطويرها من قبل جماعة من الناس، ويتم توارثها من جيل إلى جيل”. (المدهون والجزراوي، 1995، ص 396).
ويذكر اليونسكو أن “الثقافة بمعناها الواسع يمكن أن ينظر إليها على أنها جميع السمات الروحية المادية والفكرية والعاطفية التي تميز مجتمعة بعينه أو فئة اجتماعية بعينها، وهي تشمل الفنون والآداب وطرائق الحياة كما تشمل الحقوق الأساسية للإنسان ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات”. (السيد وآخرون، 2002، ص27)
أما الثقافة التنظيمية فتعرف بأنها:
يذكر (robbins ( 1998, p.595 أن هناك اتفاق بأن ثقافة المنظمات ترجع إلى النظام المطبق من خلال نظام المفاهيم المشتركة والأعراف والتقاليد التي تكون سائدة بين أعضاء المنظمة والتي تميزها عن منظمات أخرى.
وقد عرفت الثقافة التنظيمية بأنها “تتكون من قيم ومعتقدات و تصورات مشتركة وتحدد سلوك أعضاء المنظمة، حيث كلما زاد استخدام هذه القيم والمعتقدات والتصورات وكانت مشتركة كلما كانت أقوى لثقافة المنظمة، ويكون لها أثر كبير في تحديد السيطرة على سلوك المنظمة”. ( mainiero & tromley , 1989, p.382) .
ويذكر القريوتي (2000، ص 151) أن الثقافة التنظيمية هي ” الافتراضات والقيم الأساسية التي تطورها جماعة معينة، من أجل التكيف والتعامل مع المؤثرات الخارجية والداخلية، والتي يتم الاتفاق عليها وعلى ضرورة تعليمها للعاملين الجدد في التنظيم، من أجل إدراك الأشياء والتفكير بها بطريقة معينة تخدم الأهداف الرسمية”.
كما تم تعريف الثقافة التنظيمية على أنها “نمط من الافتراضات الأساسية مبتدعة أو مكتشفة أو مطورة من قبل جماعة كما تعلمتها من خلال ملائمتها مع مشكلات العالم الخارجي وضرورات الملائمة الداخلية، والتي أثبتت صلاحيتها لكي تعتبر قيمة ويجب تعليمها للأعضاء الجدد في المنظمة باعتبارها طرق صحيحة للإدراك والتفكير والإحساس فيما يتعلق بالمشكلات”. ( schackleton, 1985, p.2 )
ومهما تنوعت تعريفات الثقافة التنظيمية فإن جميع التعريفات تشترك معا بأنها تركز على القيم والتي تمثل القاسم المشترك بين تلك التعريفات المختلفة للثقافة، وتشير هذه القيم إلى الاتجاهات والمعتقدات والأفكار في منظمة معينة، ولذلك تعتبر القيم المفهوم الأساس لتقييم مواقف وتصرفات الأفراد وسلوكهم في المنظمات. (العميان، 2005، ص 311-312) .
إن المصدر الرئيس للثقافة هو النسيج الاجتماعي والثقافي الذي يتشابك مع الكثير من المتغيرات مثل ثقافة الفرد وفلسفته ومقدار ما يحمله منها في عقله، ومن ثم تنتقل هذه المكونات مع الفرد عندما يلتحق بالمنظمة فيتأثر بثقافة تلك المنظمة، وعندما يتبوأ هذا الفرد مرتبة في سلم الإدارة العليا تصبح ثقافة المجتمع الذي ينتمي إليه متفاعلة مع ثقافة المنظمة التي يعمل بها التمثل فيما بعد الثقافة السائدة.
كما أن أي تعريف للثقافة التنظيمية يجب أن يتناول القيم والمعتقدات والأفكار والافتراضات كعناصر أساسية لتكوينها.
وبالتالي فإن الثقافة التنظيمية هي مجموعة من القيم والعادات والتقاليد والأنظمة والقوانين التي تؤثر في سلوك العاملين وفي الأسلوب الذي يمارسونه في إدارة المنظمة واتخاذ القرارات فيها، من أجل الوصول إلى تحقيق أهدافها وسياساتها وممارساتها الإدارية.
ثانيا: مستويات الثقافة التنظيمية :
ذكر ( pervaize, 1999, p.73 ) أن الثقافة التنظيمية تشتمل على مكونات ظاهرة وأخرى ضمنية، من خلال تقسيمها إلى مستويات وشرح التداخل بينها، ويمكن توضيح تلك المستويات كما يلي:
1- المستوى الأول ) الثقافة الظاهرة Explicit Culture) وتمثل الحقائق التي يمكن ملاحظتها مثل التكنولوجيا والفنون ورموز الحياة التنظيمية وأنماط السلوك الإنساني.
2- المستوى الثاني (الثقافة الضمنية Implicit Culture) وتشتمل على القيم، والمعتقدات والمعايير الضابطة للسلوك الإنساني.
3- المستوى الثالث (البديهيات الأساسية Basic Assumptions) وهي عبارة عن البديهيات والافتراضات الأساسية حول الكيفية التي تعمل بها المنظمة، وتحديد الهدف الأساسي لها، وكيفية تعاملها مع البيئة الخارجية، بالإضافة إلى كيفية تعامل الموظفين داخل المنظمة الواحدة فيما بينهم وما هي المشكلات الرئيسة التي تواجهها تلك المنظمة.
ووضع ( Fombrun ( 1983, p. 403-421 ما يعرف بنظرية المستويات للثقافة التنظيمية حيث ذكر أن أصل الثقافة تم تناقلها عبر الأجيال والمجتمعات، لذا يعتبر المجتمع هو المصدر الأول لها من خلال الدين، المعتقدات، الأعراف، التقاليد، اللغة، الطقوس، الشعائر، القيم، طبيعة التفكير، وأنماط الحياة.
ومنها انتقلت إلى المستوى الآخر الذي يسمى بمستوى الجماعة، ويرتسم ذلك من خلال مشاركة أفراد الجماعة في مضمون مفردات هذه الثقافة والتي تكون ثقافات فرعية ثم تنحصر ضمن الفرد ذاته.
ويظهر المستوى الثالث من خلال ما يحمله الفرد من آثار إيجابية داخل أفراد المنظمة، وعليه يمكن تصور هذه النظرية من خلال ثقافة المجتمع وأثرها في ثقافة صناعة معينة ومن ثم تتخصص مثل هذه الثقافة بطابع إداري بحت لتعرف عندئذ بثقافة مؤسسة ما.
وأيضا حد( bowman, 1995, p.150-160) مستويات الثقافة التنظيمية على شكل جبل جليدي تتغير ملامحه بين الحين والآخر من خلال:
1- مستوى القمة: يشمل الرموز الظاهرة (المراسم، القصص، الشعارات، السلوك، والملبس والوضع المادي).
2- المستوى المغمور: يشمل القيم، الافتراضات، المعتقدات، والاتجاهات.
ثالثا: أبعاد الثقافة التنظيمية
اتفق الكتاب على أن للثقافة التنظيمية أبعاد مختلفة تتجسد فيما يلي:
1- المدير الجيد، المشرف الجيد، الموظف الجيد، العمل الجيد للموظفين، تأثر الموظفين، مراقبة الأنشطة، قواعد إنجاز المهام، ما يوفره العمل، روح الفريق، المنافسة، الصراع، تنفيذ القرارات، تدفق الاتصالات، والاستجابة للبيئة. ( Harrison , 1978, p119-128)
2- القيم، الطقوس، الشعائر، شبكات العمل الثقافية، الروتين، وبيئة العمل. (deal & Kennedy, 1982, P.12-24)
3- صنع القرار، الرقابة التنظيمية، التدخل الحكومي، معنوية الدور الإداري، معتقدات الوصول إلى السلطة السياسة المحافظة، والحماية وضمان الحقوق الشخصية. (Jenner, 1982, P.307-325)
4- الرموز، الفلسفة، الديانة، والنشاط المتعاظم. ( Thompson, 1993, p.254-336)
5- التركيز الخارجي مقابل التركيز الداخلي، التركيز على المهمات مقابل التركيز الاجتماعي، الأمان مقابل المخاطرة، التماسك مقابل التفكك، الفردية مقابل الجماعية الانفراد في القرارات مقابل المشاركة الجماعية، المركزية مقابل اللامركزية، الحدس مقابل التخطيط، الثبات مقابل الإبداع، التعاون مقابل المنافسة، البساطة مقابل التعقيد، الإجراءات الرسمية مقابل الغير رسمية، والجهل مقابل المعرفة. ( Reynolds, 1986, p.334-336)
6- القيم، البطولات، الطقوس، الشعائر، تجميع الموارد، المكافآت، تنوع العلاقة، الترتيب الهرمي، الممارسات الإدارية، وشبكات العمل الثقافية.( dubrin, 1988, p.395-397)
7- الروتين، الطقوس، الشعائر، الرموز، القوة، وأنظمة الرقابة. ( Jonson & Scholes , 1989, p.50-61 )
8- الرموز، الأبطال، الطقوس، والقيم. ( Hofstede, 1994, p.12-14)
ويذكر الباحثون أن القيم التنظيمية والمعتقدات التنظيمية والتوقعات التنظيمية هي أكثر هذه الأبعاد تأثيرة على تحديد أنماط السلوك التنظيمي وتتميز هذه الأبعاد بما يلي:
أ- القيم التنظيمية:
تعرف القيم بأنها مجموعة المبادئ والقواعد والمثل العليا، التي يؤمن بها الناس، ويتفقون عليها فيما بينهم، ويحكمون بها على تصرفاتهم المادية والمعنوية. (طهطاوي، 1996، ص42)
ولا تأتي القيم من فراغ فهي مستمدة من البيئة، وتعتبر التعاليم الدينية والتنشئة الاجتماعية والخبرة السابقة والجماعة التي ينتمي إليها الفرد من أهم مصادر القيم. (القريوتي، 2000، ص 195-161)
واتفق العلماء على ضرورة توافر عدة شروط في القيم لتشكل جوهر الثقافة التنظيمية، ولخص الفالح (2001، ص 24) تلك الشروط فيما يلي:
1- أن تكون مقنعة ومختارة من عدة بدائل حتى يتم تبنيها والالتزام بها من قبل العاملين على المستويات كافة.
2- أن تكون متناسقة فكرية وسلوكية مع قيم الأفراد العاملين بالمنظمة.
3- أن تكون محددة العدد وواضحة الهدف، يمكن إدراكها وتحديد ما تتضمنه من سلوك.
4- أن تكون عملية وثابتة في كل الأحوال والمواقف حتى يسهل ترجمتها إلى واقع، لأن القيم التي يستحيل ترجمتها إلى واقع هي قيم ضعيفة.
5- أن تعزز الأداء الذي يحقق أهداف المنظمة وأهداف العاملين. 6
6- أن تكون مدونة حتى تصبح واضحة بالقدر الكافي وملزمة للعاملين بالمنظمة.
ب – المعتقدات التنظيمية:
المعتقدات بشكل عام هي عبارة عن أفكار مشتركة متعلقة بطبيعة الفرد، وحياته الاجتماعية.
أما المعتقدات التنظيمية فهي عبارة عن أفكار مشتركة حول طبيعة العمل، والحياة الاجتماعية في بيئة العمل، وكيفية إنجاز العمل والمهام التنظيمية.
ومن هذه المعتقدات أهمية المشاركة في عملية صنع القرارات، بحيث تؤدي إلى قرارات أفضل والمساهمة في العمل الجماعي وأثر ذلك في تحقيق الأهداف التنظيمية. (العميان، 2005، ص212-213)
ج- التوقعات التنظيمية:
تتمثل التوقعات التنظيمية بالتعاقد السيكولوجي الذي يتم بين الموظف والتنظيم. ومن التوقعات المختلفة داخل التنظيم توقعات الرؤساء من المرؤوسين، والزملاء من الزملاء الآخرين في التنظيم، المرؤوسين من الرؤساء والمتمثلة بالاحترام والتقدير المتبادل، بالإضافة إلى توفير بيئة تنظيمية ومناخ تنظيمي يساعد ويدعم احتياجات الموظف النفسية والاقتصادية. (المدهون والجزراوي، 1995، ص 401) .
رابعا: أهمية ووظائف الثقافة التنظيمية :
تقوم الثقافة التنظيمية بدور هام في منظمات الأعمال، حيث تزود المنظمة العاملين فيها الإحساس بالهوية، وكلما كان من الممكن التعرف على الأفكار والقيم التي تسود في المنظمة كلما ارتبط العاملون ارتباطأ قوية برسالة المنظمة. (جرينبرج و بارون، 2004، ص630).
وقد أوضح العديد من الكتاب أهمية ووظائف الثقافة التنظيمية نجمل أهمها فيما يلي:
1- تشكل الثقافة التنظيمية السلوك من خلال مساعدة الأفراد على فهم ما يدور حولهم، حيث
توفر مصدرا للمعاني المشتركة التي تفسر لماذا تحدث الأشياء. (حريم، 2004، ص331)
2- تمثل الثقافة التنظيمية إطارا مرجعية للاستعانة به عند مواجهة حالات لا يستطيعون من خلالها إدراك مغزى النشاطات الإدارية التي يصعب عليهم إدراك مغزاها لإعطاء معنی واضحة وفاعلا لنشاط المنظمة. (القطامين، 1996، ص 80)
3- تساهم الثقافة التنظيمية في تحقيق عملية الاستقرار داخل المنظمة، بحيث تؤكد وجودها كنظام اجتماعي متكامل، وتنمي الثقافة التنظيمية الواضحة الشعور بالذاتية وتحدد الهوية الخاصة بالعاملين. (الحسيني، 2000، ص94)
4- تساعد الثقافة التنظيمية على تقوية الالتزام برسالة المنظمة حيث أن تفكير الناس عادة ينحصر حول ما يؤثر عليهم شخصيا إلا إذا شعروا بالانتماء القوي للمنظمة بفعل الثقافة العامة المسيطرة، وعند ذلك يشعرون أن اهتمامات المنظمة التي ينتمون إليها أكبر من اهتماماتهم الشخصية، ويعني ذلك أن الثقافة تذكرهم بأن منظمتهم هي أهم شيء بالنسبة لهم. (جرينبرج و بارون، 2004، ص630).
5- تعمل الثقافة التنظيمية كنظام للرقابة التنظيمية من خلال معايير الجماعة حيث تعتبر مصدر تتحدد في ضوئه مسئوليات الأعضاء. (حجي، 1998، ص 125)
6- تعتبر الثقافة التنظيمية قوة مؤثرة داخل التنظيم، حيث أنها تحفز أو تثبط أنواع محددة من السلوك الفردي والجماعي داخل المنظمات، كما أنها تلعب دورا مهما في تماسك العاملين وانسجامهم من خلال منظومة مشتركة من القيم والمعتقدات، كما تمثل مصدرة للشعور المشترك بالرؤى المستقبلية والأهداف التنظيم، وهي في كل هذا تساهم إسهاما واضحة بوحدة التنظيم وتكامله من خلال التقاء العاملين حول عناصر الثقافة التنظيمية. (الطعامنة، 2001، 395-396)
وظائف الثقافة التنظيمية :
وقد لخص ( kinicki & kreitner, 1994, p.710)وظائف الثقافة التنظيمية في أربع وظائف رئيسة هي:
1- تعطي أفراد المنظمة هوية تنظيمية: إن مشاركة العاملين نفس المعايير والقيم والمدركات يمنحهم الشعور بالتوحد، مما يساعد على تطوير الإحساس بغرض مشترك.
2- تسهل الالتزام الجماعي: إن الشعور بالهدف المشترك يشجع الالتزام القوي من جانب من يقبلون هذه الثقافة.
3- تعزز استقرار النظام: تشجع الثقافة على التنسيق والتعاون الدائمين بين أعضاء المنظمة وذلك من خلال تشجيع الشعور بالهوية المشتركة والالتزام.
4- تشكل السلوك: من خلال مساعدة الأفراد على فهم ما يدور من حولهم.
ان الثقافة التنظيمية تؤثر في مستوى أداء وإنجاز الجماعات والأفراد، وهذا بالتالي يحدد نجاح المنظمة بشكل كبير، فلكل منظمة ثقافتها الخاصة بها والتي تعمل على تزويد العاملين بالشعور بالهوية مما يزيد من ارتباط العاملين برسالة المنظمة، وزيادة الالتزام التنظيمي لديهم، كما تعمل على تحديد السلوكيات المتوقعة والمسئوليات المطلوبة منهم مما يساعد على تحقيق الاستقرار في المنظمة.
خامسا: أنواع الثقافة التنظيمية :
اتفق الكتاب على تقسيم الثقافة التنظيمية لعدة أنواع تختلف من مكان إلى آخر ومن منظمة إلى أخرى ومن قطاع إلى آخر، ويمكن حصر أهم هذه الأنواع كما يلي:
1- ثقافة النفوذ أو القوة:
إذ تعني أن عملية الضبط في مركز المنظمة واتخاذ القرارات يكون بيد عدد محدد من الأفراد البارزين وتكون القوة والنفوذ بيد من يتحكم بالمنظمة ويشبه لحد كبير نسیج العنكبوت.
2- ثقافة المشروع (المهمة):
وتتسم بأنها موجهة نحو العمل والإنجاز والحكم يتم من خلال النتائج، وقوتها تعتمد على خبرة أفرادها ولا تحتاج لقواعد وإجراءات كثيرة، وهناك صلة وثيقة بين أقسامها، لذا فهي تشبه الشبكة. ( Harrison , 1978, p.525)
3- ثقافة عضوية:
يكون فيها إدراك العاملين للقيم والمعتقدات والاتجاهات الإدارية مرتفع، ومن خصائصها التوجه نحو العلاقات العاطفية والائتلافية، واحترام الفردية، وتحمل المخاطرة والولاء الداخلي. ( tichy, 1983, p.253-254)
4- ثقافة إبداعية:
تتركز في المنظمات التي يبعث العمل فيها على الإنجاز والمخاطرة وفي حالة زيادة الضغوط المستمرة تؤدي إلى توتر وإرهاق العاملين وتكون مجازفة كونها خلاقة ومتحدية.
5- ثقافة داعمة:
حيث تتسم بالتفاعل والتماسك كالعمل بروح الفريق، والتوجه نحو العلاقات والتعاون والحرية الفردية ومراعاة المبادئ الإنسانية والعمل.( wallsh, 1983, p.29-36)
6- ثقافة بيروقراطية:
تعتمد على التمسك بالروتين، وانعدام الثقة بين القائد ومرؤوسيه لوجود الشك وعدم الاستقرار في العمل، إذ تتسم هذه الثقافة بالجمود والرقابة الشديدة، أما قادتها فهم يحتاجون للسيطرة والرقابة والهيمنة بدون مبررات موضوعية، ويميلون إلى العلاقات الاجتماعية وتتسم قراراتها بأنها غير حاسمة. (الصرايرة، 2003، ص197-198)
7- ثقافة العمليات:
وينحصر اهتمام هذه الثقافة في طريقة انجاز العمل وليس النتائج التي تتحقق، فينتشر الحذر والحيطة بين الأفراد الذين يعملون على حماية أنفسهم، والفرد الناجح هو الذي يكون أكثر دقة وتنظيمة، ويهتم بالتفاصيل في عمله.
8- ثقافة الدور:
وينصب تركيزها على نوع التخصص الوظيفي وبالتالي الأدوار الوظيفية أكثر من الفرد، وتهتم بالقواعد والأنظمة، كما أنها توفر الأمن الوظيفي والاستمرارية وثبات الأداء.
9- ثقافة مساندة:
تتميز بيئة العمل بالصداقة والمساعدة فيما بين العاملين فيسود جو الأسرة المتعاونة، وتوفر المنظمة الثقة والمساواة والتعاون، ويكون التركيز على الجانب الإنساني فيها. ( bouno & lewis, 1995, p.482)
كما أن الثقافة التنظيمية القوية أكثر تأثيرا على سلوك العاملين وأكثر ارتباطا بشكل مباشر بدوران العمالة، حيث تؤدي لانخفاض معدل دوران العمالة. إذ أن الثقافة القوية تشير إلى اتفاق عالي بين العاملين حول ما تمثله المنظمة.
ففي الثقافة التنظيمية القوية يزداد التمسك وبشدة بالقيم الجوهرية للمنظمة والتي تكون مشتركة بشكل كبير بين الأعضاء، وكلما ازداد قبول الأعضاء للقيم الجوهرية، وازداد تمسكهم بهذه القيم، يكون لها تأثير أكبر على سلوك العاملين بسبب الدرجة العالية من المشاركة، مما يؤدي لخلق مناخ داخلي من السيطرة العالية على السلوك.
ويؤدي هذا الإجماع حول الغرض لزيادة التماسك والولاء والالتزام التنظيمي، مما يؤدي لتقليل ميل العاملين لترك المنظمة. ( Robbins, 2003, p.233 )
ومن هنا تبرز أهمية ظهور ثقافة تنظيمية قوية تعمل على الوحدة التنظيمية، فالثقافة القوية لا تسمح بتعدد ثقافات فرعية متباينة، لأنه إذا لم تثق الثقافات الفرعية المتعددة الموجودة في المنظمة ببعضها البعض، ولم تتعاون فإن ذلك سيقود إلى صراعات تنظيمية وبالتأكيد ستؤثر على الفاعلية والأداء للمنظمة.
فالثقافة التنظيمية لها تأثير إيجابي على المنظمة والسلوك التنظيمي والفعالية التنظيمية، عندما تكون مشتركة بين العاملين بحيث يؤمنون بها إيمانا عميقا. (العميان، 2005، ص316-317)
سادسا: خصائص الثقافة التنظيمية :
لا توجد في أي مجتمع ثقافة واحدة، وكذلك الأمر بالنسبة لثقافة المنظمة، إذ نجد أن هنالك ثقافة سائدة (Dominant Cultur) وهي مجموعة قيم رئيسية يشترك فيها غالبية أعضاء المنظمة، وهنالك أيضا ثقافات فرعية Subcultures لوحدات أو مجموعات وظيفية (مثل المهندسين والمحاسبين ….) .
وقد يعتقد البعض أن الثقافات الفرعية في المنظمة ممكن أن تضعف المنظمة إذا كانت تتعارض مع الثقافة السائدة والأهداف العامة للمنظمة، ولكن الواقع عكس ذلك فالكثير من الثقافات الفرعية تكون لمساعدة مجموعة معينة من العاملين على مواجهة مشكلات يومية محددة تواجه المجموعة. (حريم، 2004، ص329)
إن وجود ثقافات معاكسة Countercultures وهي الثقافات التي تمارس فلسفة وقيمة تتعارض مع الثقافة السائدة، تنشأ من الاندماجات أو الاستحواذات لمنظمتين لأن موظفي إحدى المنظمتين ومديريها قد يحملون قيمة وافتراضات تتعارض مع نظرائهم من المنظمة الأخرى، وهذا ما يعرف بصراع ثقافات المنظمة.
وتتصف الثقافة التنظيمية بمجموعة من الخصائص التي تستمدها من خصائص الثقافة العامة من ناحية، ومن خصائص المنظمات الإدارية من ناحية أخرى، ويمكن حصر أهم هذه الخصائص في النقاط التالية:
1- قيم متحكمة تتبناها المنظمة وتتوقع من الأعضاء أن يشاركوها في ذلك، مثل تحقيق جودة عالية، والغياب القليل، والكفاءة العالية. (المساعد وحريم، 2006، ص230-231)
2- تتكون الثقافة من عدد من المكونات الفرعية التي تتفاعل مع بعضها البعض لتشكيل ثقافة المنظمة، وتشمل الجانب المعنوي من القيم والأخلاق والمعتقدات والأفكار، والجانب السلوكي من عادات وتقاليد وآداب وفنون وممارسات عملية، والجانب المادي من أشياء ملموسة كالمباني والأدوات والمعدات والأطعمة وغيرها.
3- الثقافة هي كيان مركب تتجه باستمرار إلى خلق الانسجام بين عناصرها المختلفة، أي تغير يطرأ على أحد جوانبه لا يلبث أن ينعكس أثره على باقي مكوناتها، ولكونها من صنع الإنسان وخلقه، وتمارس بواسطة كل أعضاء المنظمة، فإن كل جيل في المنظمة يعمل على تسليمها للأجيال اللاحقة مع مراعاة أنها لا تنتقل من جيل إلى جيل آخر بطريقة فطرية أو غريزية، وإنما يتم تعلمها وتوريثها عبر الأجيال في المنظمة عن طريق التعلم والمحاكاة. (أبو بكر، 2000، ص 132-133)
4- التزام وتبني كافة العاملين في المنظمة السلوكيات ومعايير واتجاهات محددة تسهم بنجاح وفاعلية وحداتهم التنظيمية.
5- الثبات أو ما يسمى بالتكامل المعياري والذي يشير إلى تبني سلوكيات واتجاهات ومعايير بصورة تتصف بالديمومة وعدم التذبذب. ( pervaize, 1999, p.88 )
6- يترتب على استمرار الثقافة تراكم السمات الثقافية خلال عصور طويلة من الزمن، وتعقد وتشابك العناصر الثقافية المكونة لها وانتقال الأنماط الثقافية بين الأوساط الاجتماعية المختلفة. (الساعاتي، 1998، ص93)
ان من أهم خصائص الثقافة التنظيمية اهتمامها بالعنصر الإنساني لأنه المصدر الرئيسي للثقافة التنظيمية، كما أنها ليست غريزة فطرية ولكنها مكتسبة من المجتمع المحيط بالفرد من خلال التفاعل والاحتكاك مع الآخرين، ومن ثم تصبح هذه الثقافة جزء من سلوكه. وأيضا لابد أن تكون ثقافة المنظمة مرنة قابلة للتكيف مع أهداف المنظمة ومطالب البيئة المتغيرة.
سابعا: آليات خلق الثقافة التنظيمية والمحافظة عليها
يمكن خلق الثقافة التنظيمية من خلال ثلاث خطوات أوردتها العطية (2003، ص333) كما يلي:
1- يقوم المؤسسون بتوظيف العاملون الذين يفكرون ويشعرون بنفس طريقتهم ويعملون على الاحتفاظ بهم في المنظمة.
2- يحاول المسئولون أن ينشئوا هؤلاء العاملين على التفكير والشعور بنفس طريقتهم.
3- السلوك الشخصي للمؤسسين يكون نموذجا للدور والذي يشجع العاملين على التوحد معهم، وبذلك يدخلون معتقداتهم وقيمهم وافتراضاتهم في المنظمة، وحينما تنجح المنظمة، تصبح رؤية المؤسسين على أنها المحدد الأساسي الذي أدى لتحقيق ذلك النجاح، وبذلك تتضح الشخصية الكلية للمؤسسين في الثقافة التنظيمية.
ويمكن حصر الآليات الرئيسة للمحافظة على الثقافة التنظيمية في النقاط التالية:
1- ممارسات الإدارة العليا:
رغم أهمية القيم المعلنة، إلا أن الممارسات تبقى الاختبار الحقيقي الطبيعة الثقافة التنظيمية السائدة، إذ يتضح ومن خلال الممارسات أنواع السلوك الذي يتم مكافأته والسلوكيات التي يتم استنكارها ومعاقبتها، ويشكل ذلك مؤشرات واضحة للعاملين.
2- اختيار العاملين:
تعتبر عملية اختيار العاملين خطوة رئيسة في تشكيل الثقافة التنظيمية، ذلك أنه ومن خلال عملية الاختيار يتم التعرف على الأفراد الذين ترى المنظمات أن لديهم مجموعة من الصفات والأنماط السلوكية، والخلفيات الثقافية، والاستعدادات والتوجهات المناسبة لها. فعملية التعيين تعني في نهاية الأمر اختيار الأشخاص الذين يتفقون مع قيم المنظمة. (القريوتي ، 2000، ص 163)
3- المخالطة الاجتماعية:
عند اختيار عناصر جديدة في المنظمة فإن هذه العناصر لا تعرف ثقافة المنظمة، وبالتالي يقع على عاتق الإدارة أن تعرف الموظفين الجدد على الأفراد العاملين وعلى ثقافة المنظمة، وهذا أمر ضروري حتى لا يتغير أداء المنظمة. (العميان، 2002، ص319).
ثامنا: العوامل المؤثرة في الثقافة التنظيمية
تؤثر على الثقافة التنظيمية عوامل عدة أورده كما يلي:
1- تعاقب الأجيال:
يؤثر في الأنماط الإدارية والتي تؤثر بدورها في سلوك الأفراد، والطريقة التي تقدم بها المنظمة خدماتها للمستفيدين.
2- القيادة الإدارية:
التي تلعب دورا بارزا في إيجاد ثقافة تنظيمية ذات طابع معين ينسجم مع معطيات هذه القيادة.
3- النمط الإداري السائد:
الذي يمثل الواجهة الحقيقية لثقافة المنظمة، ومن السهولة فرضه على باقي العاملين في المنظمة.
4- استخدام التقنية:
ويترتب على تشجيع استخدام التقنية زيادة الكفاءة الإنتاجية، ومن ثم تقديم خدمات ومنتجات أفضل.
ولكي توفر المنظمة ثقافة تنظيمية طويلة الأمد لابد لها من التركيز على الجوانب التالية لما لها من تأثير واضح على استمراريتها:
1- الوضوح التنظيمي: فهم واستيعاب العاملين في المنظمة لأهدافها وخططها الآنية والمستقبلية، ودرجة مساهمتهم في وضعها وتنفيذها.
2- البناء الهيكلي لصناعة القرار: توفير المرونة اللازمة لتبادل المعلومات بين أجزاء التنظيم لتصل بوضوح لمراكز اتخاذ القرار، لتيسير عملية اتخاذ القرار.
3- التكامل التنظيمي: مدى التعاون والاتصال الفاعل بين وحدات التنظيم المختلفة لتحقيق أهداف المنظمة ونجاحها في التفاعل مع بيئتها الخارجية.
4- تاريخ المنظمة: مدى إلمام العاملين بتاريخ المنظمة وأساليب العمل بها وقدرتها على تجاوز الأزمات والمشكلات.
5- الأسلوب الإداري: التوازن والاستقرار الإداري الذي يشجع العاملين على التعبير عن آرائهم بحرية، لاستثمار قدراتهم ومواهبهم ضمن إطار عام من الانضباط الوظيفي.(السهلي، 2009، ص 37-38)
6- البناء التنظيمي: نوعية القواعد والأنظمة ومقدار الرقابة المفروضة على سلوكيات العاملين.
7- التشجيع: مدى توفر الدعم والمساندة من قبل الرؤساء والمشرفين لمرؤوسيهم.
8- الانتماء: درجة انتماء العامل للمنظمة وليس لجماعة أو مهنة.
9- درجة تحمل الخلاف والصراع: مدى توافر التضارب والخلافات بين العاملين والمجموعات، وقابلية العاملين لتبادل المشاعر بأمانة وصدق وقبول اختلاف الآراء فيما بينهم. (المربع، 2008، ص78)
الخاتمة ( الخلاصة ) :
نستخلص مما سبق أن للثقافة التنظيمية أهمية قصوى في حياة المنظمات من خلال إشراك العاملين في تحقيق أهدافها، حيث تعمل الثقافة التنظيمية الإيجابية على بناء القيم والمعتقدات والتوقعات التنظيمية التي تخدم أهداف المنظمة وتساعد على تحقيقها، لأنها المحرك الرئيس التنظيم وتوجيه السلوك التنظيمي من خلال القيم التنظيمية التي تعمل على توجيه سلوك العاملين ضمن الظروف التنظيمية المختلفة وتوسيع آفاق ومدارك العاملين حول ما يدور حولهم من أحداث.
ويمكن للثقافة التنظيمية السائدة في المنظمة أن تكون عنصرا إيجابية وفاعلا في عملية تطبيق الإدارة الالكترونية، لأن تطبيق الإدارة الالكترونية يحتاج إلى ثقافة تؤمن بالتجديد والابتكار وتستوعب الكثير من المفاهيم الجديدة والتي تساعد على نجاح عملية التطبيق.
وبالتالي تعتبر الثقافة التنظيمية هي معيار الحكم لمدى قبول بيئة المنظمة لإدخال فكرة أو نموذج جديد، حيث أنها تعكس قدرة المنظمة على التكيف مع أساليب وممارسات جديدة كالإدارة الالكترونية.